بحث هذه المدونة الإلكترونية

Translate

الأحد، 18 يونيو 2023

الورم الليمفاوي اللاهودجكن ( Non Hodgkin’s lymphoma ).

الرابط 
https://www.adamcs.org/NHL.htm#02


المقـدمـة

الورم الليمفاوي اللاهودجكن ( Non Hodgkin’s lymphoma )، 

 هو أحد أنواع الأورام السرطانية الليمفاوية ( lymphomas ) التي تنشأ و تتطور في أنسجة الجهاز الليمفاوي، أحد المكونات الرئيسية للمنظومة المناعية بالجسم، و الذي يتكون من أنسجة و خلايا مختلفة و متعددة الوظائف، تتكامل معا كجزء أساسي في الرد المناعي، سواء في مقاومة العدوى المختلفة، أو تدمير بعض أنواع الخلايا السرطانية.

و تجدر الإشارة إلى أن الورم اللاهودجكن لا يُعد تفرعا عن ورم هودجكن كما قد تُوحي التسمية، و إنما بالأحرى هو مجموعة من الأورام الليمفاوية التي تتماثل في آلية تكونها و نموها، و تختلف عن ورم هودجكن، سواء في أنواع خلاياها أو مظهرها المجهري، أو في سلوكياتها و أنماط انتقالها من مواضع نشأتها، أو في نسق الاستجابة للمعالجات، و يمكن القول أنها تتماثل و تتشابه مع أورام اللوكيميا الليمفاوية حتى يصعب التمييز بينهما في بعض الحالات، و إن كانت تختلف في آلياتها عن خلايا اللوكيميا، إضافة إلى أنها لا تنتشر بكثرة واضحة في الدورة الدموية.

و تُعد الأورام اللاهودجكن بالمرتبة الثالثة ضمن الأورام الشائعة لدى الأطفال، و ترتفع معدلاتها لدى الذكور عنها لدى الإناث بما يقرب الثلاثة أضعاف، و قد تظهر عند الأطفال ما بين الطفولة المبكرة و حتى سن المراهقة، و إن كانت نادرة في السن ما قبل الخامسة من العمر، و ترتفع معدلاتها عادة لدى الفئة العمرية ما بين 7 إلى 11 سنة.

الجهاز الليمفـاوي

يتركب الجهاز الليمفاوي من الأوعية الليمفاوية التي تشبه الأوردة الدموية، و تتفرع إلى كل أجزاء الجسم و يمر عبرها السائل الليمفاوي، و هو سائل عديم اللون يحمل افرازات الخلايا الزائدة و مخلفاتها و خلايا جهاز المناعة، و تتجمع شبكة الأوعية الليمفاوية في غدد عضوية صغيرة تسمى الغدد الليمفاوية، التي بدورها تتواجد بمجموعات في مناطق مختلفة من الجسم، مثل الإبطين و الرقبة و التجويف البطني، ( كما يعتبر الطحال و الّلِوز و الغدة الصعترية ضمن غدد الجهاز الليمفاوي المهمة )، و تقوم هذه الغدد بتخزين الخلايا الليمفاوية ( Lymphocytes ) التي تُعد من الخلايا الرئيسية في النسيج الليمفاوي، و التي تتسرطن في هذا النوع من الأورام، نتيجة حدوث اختلال في أطوار تكاثرها و استطراد نموها بشكل شاذ.

و ثمة نوعين أساسيين من الخلايا الليمفاوية، الخلايا البائية ( B lymphocytes )، ذات الدور المهم في تمييز الكائنـات الغريبـة، و الخلايا التائية ( T lymphocytes ) و كليهما عرضة للتسرطن و نشوء الأورام الليمفاوية التي تصنف حسب أي منهما، سواء أورام ليمفاوية بالخلايا البائية ( B-cell lymphomas ) أم خلايا تائية

( T-cell lymphomas ).

و لكل من هذين النوعين وظائف مختلفة ضمن الجهاز المناعي، حيث تساعد الخلايا البائية في مكافحة البكتيريا أو الفيروسات، و ذلك بإنتاج ضدّيات الجسيمات ( antibodies ) أو الأضداد، و تعمل هذه الضدّيات كدليل أو سِمة للبكتيريا أو الفيروسات المستهدفة، إذ تلتصق ببروتينات معينة تتواجد على سطوحها تسمى بمولدات المضادات

( antigens )، فتقوم بوسمها و تُعلّمها مما يجذب نحوها الأنواع الملتهمة من خلايا الجهاز المناعي، التي تقوم بابتلاعها، كما تجذب نوعا من بروتينات الدم التي تدمر هذه البكتيريا بإحداث ثقوب في جدار خلاياها.

بينما تساعد الخلايا الليمفاوية التائية في الحماية من الفيروسات و الفطريات و بعض أنواع البكتيريا، حيث يمكنها تمييز مواد كيماوية معينة، تتواجد على السطح الخارجي للخلايا المصابة بعدوى فيروسية، فتقوم بتدميرها بأن تفرز مواداً خاصة تذيب الغشاء الخارجي لهذه الخلايا، كما أنها تفرز مواداً تسمى المُثيرات الخلوية

( cytokines )، تستنهض أنواعا أخرى من خلايا كريات الـدم البيضاء لتهاجـم الخـلايا المصابة أو تهضمها، و يعتقد أن الخلايا التائية تقوم بمهاجمة و تدمير بعض أنواع الخلايا السرطانية بنفس الطريقة، إضافة إلى مهاجمتها لخلايا الأنسجة المزروعة بالجسم، ( لذلك يتلقى المرضى ممن خضعوا لعمليات زرع الأعضاء، أدوية خاصة لإحباط ردود فعل الخلايا التائية )، كما تلعب بعض أنواع الخلايا التائية دورا مهما في تحفيز أو تثبيط نشاطات الأنواع الأخرى من خلايا الجهاز المناعي.

و يمكن بسهولة تمييز الخلايا البائية و التائية عند إجراء التحاليل المخبرية، و ذلك بتمييز مركبات معينة تتواجد على سطوحها، حيث لكل منهما مركبات خاصة به تميزه، كما يمكن أيضا تمييز هذه الخلايا في كل مرحلة من مراحل نضجها و نموها، و هذا مما يساعد بطبيعة الحال في تمييز نوع الورم اللاهودجكن لدى المريض، حيث تتماثل خلايا كل نوع من هذه الأورام مع الخلايا الطبيعية لأنواع الخلايا الليمفاوية بتفرعاتها، و عند مستوى معين من مراحل نضوجها.

( يُرجى الانتقال لصفحة العلاج المناعي لمزيد من التفاصيل حول دور الخلايا الليمفاوية ضمن الجهاز المناعي ).

أنواع الأورام اللاهودجـكن

يتم تحديد نوع الأورام الليمفاوية اللاهودجكن حسب مظهر خلاياها المجهري، من حيث الحجم و الشكل، إضافة إلى نمط تجمعها و تكدسها خصوصا ضمن محيط الغدد الليمفاوية، فمن حيث الحجم تُصنف بأنها خلايا ضئيلة الحجم ( small cells ) أو متوسعة ( large cells ) ، و من حيث الشكل تُصنف بأنها منثنية أو متفـلجة ( cleaved ) تظهر بها ثنيات أو طيّات، و غير متفلجة أي مستوية ( noncleaved )، و من ناحية نمط التجمع تُصنف بأنها متحـوصلة ( follicular )؛ تتجمع على هيئة عناقيد، أو أورام سائبة ( diffuse ).

كما يتم تصنيفها حسب سرعة نموها و انتشارها ( أو شراستها ) إلى ثلاث درجات، بطيئة و متوسطة و عالية، و لا تظهر الأورام من الدرجتين الأوليين عند الأطفال، بينما تنمو الأورام من الدرجة العليا، و التي توصف عادة بالعدوانية ( aggressive ) و تتزايد أعدادها و تنتشر خلال الجسم بسرعة، غير أنها بالمقابل تستجيب للمعـالجة بالعقاقير المستخدمة في العلاج الكيمـاوي بدرجة كبيرة، و اغلبها قابل للشفاء و بمعدلات عالية.

و ثمة ثلاثة أنواع رئيسية من الأورام اللاهودجكن تظهر عند الأطفال :

أورام الخلايا الليمفاوية الأوليّة ( Lymphoblastic )، و يُشار إليها بالأورام الليمفاوية، و الأورام ضئيلة الخلايا و المستوية أو غير المتفـلجة ( Small noncleaved cell )، ثم أورام الخلايا المتوسـعة ( Large cell )، و تُعد الأنواع الثـلاث من الدرجة العليا و غير متحوصلة، و تختلف أنماط معالجتها بشكل كبير.

الورم الليمفـاوي اللاهودجـكن ( Lymphoblastic lymphoma )

و يمثل هذا النوع حوالي ثلث حالات الأورام الليمفاوية عند الأطفال، و يُعد أكثر شيوعا لدى المراهقين، و يظهر عند الذكور بنسبة الضعف تقريبا عن الإناث، و ينشأ في أغلب الأحوال عن تسرطن الخلايا التائية، و لدى حوالي العشرين بالمئة من الأطفال المرضى ينشأ عن تسرطن الخلايا البائية، و قد يتركز بالغدة الصعترية ( التي تتواجد أمام القلب ) و يكوّن كتلة ورمية خلف العظام بالقفص الصدري، مما قد يسبب مشاكل تنفسية ( تُعد صعوبة التنفس أحد الأعراض الأولى لهذا النوع )، بينما ينشأ لدى نسبة اقل من الحالات، باللوزتين و الغدد الليمفاوية بالرقبة، أو بغدد أخرى، و يتميز هذا النوع خصوصا بالمقدرة على الانتقال السريع إلى النخاع العظمي، أو سطح الدماغ، أو الأغشية المحيطة بالرئة و القلب، إضافة إلى الغدد الليمفاوية الأخرى، الأمر الذي يستدعي ضرورة تشخيصه و معالجته مبكرا نظرا لمقدرته على النمو و الإنتقال السريعين و لخطورة نشوء مشاكل بالجهاز التنفسي.

و تتماثل الخلايا المتسرطنة بهذا النوع مع خلايا اللوكيميا الليمفاوية الحادة لدى الأطفال، و لذلك فمن المعتاد إعادة تصنيف الورم على أنه لوكيميا، ( و تتم معالجته بنفس معالجات اللوكيميا )، في حال كانت نسبة الخلايا الورمية بالنخاع العظمي تزيد عن 25 % .

الورم اللاهودجـكن ضئيل الخلايا غير المتفـلجـة ( Small noncleaved non-Hodgkin's lymphoma )

و ينقسم إلى نوعين بيركايت و غير البيركايت ( Burkitt and non-burkitt )، ( تعود التسمية إلى الطبيب دنيس بيركايت أول من قام بتحديد هذا النوع )، و يظهر غالبا لدى الذكور، عادة بالسن بين الخامسة و العاشرة، و يمثل نسبة تزيد عن ثلث الحالات عند الأطفال بصفة عامة، و إن كانت معدلاته تتفاوت عبر العالم، ففي بعض أجزاء أفريقيا يمثل أكثر من 90 % من حالات الأورام اللاهودجكن، و أكثر من نصف أورام الأطفال، و لأسباب غير معروفة ينشأ عادة بعظام الوجه و خصوصا بعظام الفكين لدى هؤلاء الأطفال، بينما من المعتاد أن ينشأ بالتجويف البطني لدى المرضى بمناطق العالم الأخرى، و تظهر الأعراض عادة بنشوء ورم متضخم قد يؤدي إلى انسداد الأمعاء و نشوء آلام بالبطن و الغثيان و التقيؤ، كما يمكن أن ينشأ بالرقبة أو باللوزتين، أو في أي موضع آخر و إن كان ذلك نادرا .

و ينشأ هذا النوع عن تسرطن الخلايا الليمفاوية البائية، و يُعد من أكثر الأورام المعروفة سرعة في النمو و الإنتقال، و قد ينتقل إلى عدة أعضاء حيوية بالجسم بما في ذلك سطح الدماغ أو داخل الدماغ نفسه، الأمر الذي يستدعي ضرورة تشخيصه و معالجته مبكرا.

الورم اللاهودجـكن متسع الخـلايا ( Large cell non-Hodgkin's lymphoma )

و يمثل هذا النوع حوالي ربع حالات الأورام الليمفاوية عند الأطفال، و ينشأ غالبا عن تسرطن الخلايا البائية، و أحيانا ينشأ عن تسرطن الخلايا التائية، و قد ينشأ بالأنسجة الليمفاوية بالرقبة، أو بمواضع خلف القفص الصدري، أو بالحلق، أو بالتجويف البطني، و يظهر عند بعض الحالات بانتقال مبكر إلى الجلد أو الأنسجة تحت الجلد، و تقل معدلات انتقاله إلى الدماغ أو النخاع العظمي عن الأنواع الأخرى و لا ينمو بسرعة مثلها.

حول عوامل الخطورة لنشوء الأورام اللاهودجـكن

يُشير تعبير عوامل الخطورة ( Risk factors ) إلى العوامل و الظروف التي تزيد من احتمال العرضة لأي مرض، مثل السرطان، عند أي شخص، و ثمة عوامل خطورة لكل نوع من الأورام، و قد تتضمن عوامل خطورة وراثية أي ترتبط بخصائص المورثات، إضافة إلى عوامل ترتبط بالبيئة أو نمط المعيشة و الظروف الحياتية، و رغم أن العوامل المتعلقة بنمط المعيشة مثل التدخين و التغذية السيئة أو تعاطي المسكرات أو ظروف العمل ( مثل التعرض المستمر للكيماويات )، تُعد من العوامل المهمة لدى العديد من أورام البالغين، ( و ذلك لا يعني أن الإصابة بالسرطان هي حتمية مع وجود هذه العوامل )، إلا أن تأثيرها معدوم أو ضعيف عند التطرق لأورام الأطفال.

و نتعرض في الفقرات التالية لبعض عوامل الخطورة لنشوء الأورام الليمفاوية اللاهودجكن :

عوامل الخطورة المتعـلقة بالبيئة

يُقصد بعوامل الخطورة البيئية جميع المؤثرات الضارة الموجودة بالبيئة، و التي تؤثر على الظروف الحياتية الطبيعية، ( مثل التعرض للإشعاع أو الكيماويات السامة أو التلوث ) و التي تزيد من نسبة الخطر للإصابة بالأمراض المختلفة مثل الأورام اللاهودجكن، و على الرغم من أن التعرض للتلوث الإشعاعي، الناتج عن التفجيرات الذرية أو حوادث المفاعلات النووية يزيد من نسبة الخطورة و بدرجة عالية لنشوء العديد من الأورام و خصوصا أنواع اللوكيميا و أورام الدرقية، إلا انه يحمل نسبة خطورة بدرجة أقل لنشوء الأورام اللاهودجكن، و في حين يُعد التعرض المستمر للكيماويات، مثل البنزين و بعض أنواع المبيدات الحشرية أحد عوامل الخطورة عند البالغين لنشوء الأورام اللاهودجكن، إلا انه لا يُعد كذلك و بنفس القدر عند الأطفـال ( عدا بنسبة ضئيلة جدا )، و لم تربط أية دراسات طبية بين هذه الأورام لدى الأطفال و بين أي كيماويات مسببة للسرطان.

عوامل الخطورة المتعلقة بعـلاجات الأورام

تفيد العديد من الدراسات الطبية عن وجود علاقة مباشرة، و بنسبة خطورة صغيرة، بين معالجة مرضى السرطان سواء البالغين أو الأطفال بالعلاج الإشعاعي، و بين ظهور أورام ثانوية غير الورم الأصلي المُعالج خلال فترات لاحقة من الحياة، و رغم أن نسب الخطورة لنشوء أنواع اللوكيميا تأتي بالدرجة الأولى، إلا انه بنفس الوقت ثمة نسبة خطورة ضئيلة لنشوء الأورام اللاهودجكن، ( و تزداد نسب الخطورة عند الإستخدام المشترك لكلا العلاجين الكيماوي و الإشعاعي )، و تُعد هذه الأورام الثانوية أكثر شيوعا لدى البالغين حيث تظهر عقب عدة سنوات من انتهاء المعالجات .

بينما و الأهم من ذلك، تفيد بعض الدراسات الطبية إلى أن العقاقير الكيماوية المستخدمة في معالجة أنواع أخرى من الأورام يمكن أن تزيد من نسبة الخطورة لنشوء اللوكيميا أو الأورام اللاهودجكن، خلال فترات تتراوح بين 5 إلى 10 سنوات عقب انتهاء المعالجات، و تشير خصوصا إلى الجرعات المستخدمة بالمخططات العلاجية لدى حالات أورام هودجكن، حيث تقترب نسبة الخطورة بينهم من 5 % خلال عشر سنوات.

و من ناحية أخرى تزيد نسبة الخطورة لنشوء السرطان و خصوصا أورام الجهاز الليمفاوي، ( بما في ذلك الأورام الليمفاوية اللاهودجكن بطبيعة الحال )، عند الحالات التي خضعت لمعالجات مكثفة بغرض إحباط الجهاز المناعي ( و التي تتم عند التهيئة لعمليات زراعة نقى النخاع العظمي بشكل رئيسي ).

عوامل الخطورة الوراثية و عـلل المورثات

تبين للعلماء منذ عقود أن الإنسان قد يرث عن أبويه بعض التبدلات و الاختلالات بالشفرات الوراثية بالحمض النووي للخلايا، و التي بدورها تسبب أمراضا تنتشر في عائلات بعينها، و ثمة نسبة خطورة عالية للعديد من الأمراض عند ولادة الأطفال مع وجود بعض أنواع العيوب الخلقية و التي تُعرف بالمتلازمات ( syndromes و يمكن تعريف المتلازمة بأنها مجموعة متزامنة من الأعراض و التشوهات أو الإعاقات أو الظواهر الشاذة الأخرى، و التي تظهر في اغلب الأحوال مجتمعة بنفس المريض ).

و تؤدي بعض من هذه المتلازمات إلى ولادة الأطفال بجهاز مناعي غير طبيعي و عاجز، و تُعرف بمتلازمات العوز المناعي الخلقية ( congenital immunodeficiency syndromes )، و قد تبين أنها تزيد بدرجة عالية من نسب الخطورة لنشوء الأورام اللاهودجكن لدى الأطفال ، و تُعد من أهمها متلازمة الاختلاج المرتبط بتمدد الأوعية الشعرية ( Ataxia-telangiectasia syndrome )، و متلازمة بلووم ( Bloom syndrome ) و متلازمة ويسكوت الدريش ( Wiskott-Aldrich syndrome )، إضافة إلى متلازمة العـجز المنـاعي المضاعف الحاد (Severe combined immunodeficiency syndrome SCID ).

العـدوى الفيروسية

يُعد التعرض للعدوى بالفيروس المؤدي للإصابة بمتناذرة العوز المناعي المكتسب ( الإيدز ) المعروف بفيروس العجز المناعي (human immunodeficiency virus HIV )، أحد اكبر عوامل الخطورة لنشوء الأورام اللاهودجكن، بإعتباره من أهم مسببات عجز المنظومة المناعية بالجسم، و كذلك الحال بالنسبة للتعرض المتكرر لعدوى فيروس إبشتين بار ( Epstein-Barr virus EBV ) المسبب لداء وحيدات النوى ( mononucleosis )، و قد أفادت العديد من الدراسات الطبية عن وجود علاقة بين ارتفاع نسبة الإصابة بالورم الليمفاوي اللاهودجكن من نوع البيركايت في مناطق أفريقيا المدارية، و بين التعرض المتكرر للعدوى بكل من الملاريا و هذا الفيروس.

يجدر بالذكر من ناحية أخرى إلى أنه لا توجد أية عوامل خطورة معروفة و مؤكدة عند معظم المرضى بالأورام اللاهودجكن سواء من الأطفال أو البالغين، و لم يكن ثمة ما يمكن فعله لتجنب نشوء مثل هذه الأورام.

حول نشوء الأورام اللاهودجـكن

يلزمنا لفهم كيفية نشوء الخلايا السرطانية، الإلمام ببعض المعلومات الأولية عن الخصائص الوراثية و المورثات ( genes )، فالمورث عبارة عن جزء من الحمض الريبونووي ( deoxyribonucleic acid DNA ) يحمل خصائص وراثية معينة و ذو وظيفة حيوية محددة، و كمثال تحدد المورثات لون العينين و البشرة، أو فئة الدم، و هذا الحمض هو المادة الكيميائية التي تحمل التعليمات الموجهة لنظام و دورة حياة الخلايا، و يقوم بالتحكم في كل نشاطاتها، و يُعد نوع التغيرات الشاذة في الحمض النووي للمورثات العامل المؤثر في تحديد نوع المرض الذي قد يصيب الإنسان، و المورثات هي أجزاء من الصبغيات ( chromosomes )، التي من الممكن تشبيهها بشريط خيطي من الحمض النووي يشبه الضفيرة، و يحتوي على الآلاف من المورثات تصطف على امتداده، و ينتظم الحمض النووي بدقة في 23 زوجا من الصبغيات، يرث الإنسان النصف من كل زوج عن أحد الوالدين.

و من جهة أخرى قد يرث المرء بعضا من التغيرات الشاذة ( أو الأعطاب ) بالحمض النووي عن والديه، الأمر الذي يفسر ظهور بعض العلل بشكل شائع لدى بعض العائلات، و تسمى هذه التغيرات بالتحورات أو التبدلات الجـذرية للبُنية ( mutations )، و التي تنشا أيضا لأسباب غير مفهومة و غير مبررة أسوة بصور الإختلال الأخرى التي تصيب هذا الحمض، و التي يمكن تلخيصها في النقاط التالية :

شرود للصبغيات و تبادل المواقع ( Translocation ) بين جزأين من الحمض النووي، أي أن مقطعا من الحمض النووي بصبغي معين يشرد ملتحقا بصبغي مختلف و غير متماثل معه، و هذا الاختلال على وجه الخصوص يُعد مسؤولا عن نشوء بعض أنواع اللوكيميا و أغلب الأورام الليمفاوية اللاهودجكن، حيث يظهر التبادل في صبغيات مختلفة عند كل منها.

الانعكاس أو الانقلاب ( inversion ) مما يعني أن جزءا من صبغي ما تراكب بشكل مقلوب و ظل منعكسا إلا انه لا يزال مرتبطا بنفس الصبغي.

الإضافة ( addition ) أي أن جزءا من صبغي ما ( أو الصبغي بكامله ) قد تضاعف و تتواجد نسخ كثيرة منه بالخلية، و يشار إليه برقم الصبغي مع إشارة موجبة ( + 7 مثلا ).

الفقدان أو المحو ( deletion ) لبعض من مقاطع حمض نووي بصبغي معين، و يشار إليه برقم الصبغي مع إشارة سالبة، فمثلا -7 تعني أنه ثمة جزء مفقود من الصبغي السابع.

و ثمة أنواع متعددة و كثيرة جدا من المورثات، و لكل منها وظائف حيوية و خصائص وراثية محددة، و يحتوي بعضُ من أنواعها على التعليمات و الشفرات الوراثية التي تتحكم في آلية النمو و الانقسام، و بالتالي التضاعف و التكاثر لإنتاج خلايا جديدة، و من هذه مورثات معينة تحث و تُعدل عمليات انقسام الخلية، و تسمى اصطلاحًا بطليعة المورثات الورمية ( Proto-oncogenes )، و مورثات أخرى تُبطيء و تكبح الانقسام و التكاثر، أو تُعطي التعليمات للإفناء الذاتي للخلية عند الحاجة، و تسمى بالمورثات الكابحة للتورم ( Tumor suppressor genes ).

و من هنا يمكن أن تتسرطن الخلايا الطبيعية عند حدوث أي من أنواع الاختلال المذكورة ببُنية الحمض النووي، و التي تدفع بدورها ( بشكل مباشر أو غير مباشر ) إما إلى تشغيل طليعة المورث الورمي دون ضوابط ( مما يُفقـده القدرة على التحكم في نمو الخلية و تكاثرها متحولاً بذلك إلى مورث ورمي ( oncogene ) نشط قابل لتحفيز النمو الورمي )، أو تؤدي إلى إحباط عمل المورثات الكابحة للتورم، و ينتهي الأمر بنشوء ورم سرطاني.

و من المهم معرفة أنه و عدا عن الإختلالات الوراثية التي تزيد من نسبة الخطر لنشوء بعض الأورام ( و الأمر ليس حتميا البتة و لا تُعد الأورام الليمفاوية اللاهودجكن ضمن هذه الفئة )، لا يعرف العلماء الأسباب الحقيقية و المؤكدة التي تؤدي إلى حدوث أنواع الاختلال بالحمض النووي، ( أو التي تقدح الزناد ) و التي تؤدي إلى تسرطن الخلايا الطبيعية و نشوء الأورام.

و في كثير من الأحيان لا يوجد سبب واضح و ظاهري لمثل هذه الأعطاب ، إلا أنها قد تعود إلى أخطاء عشوائية تحدث عند تكاثر الخلايا، ففي كل مرة تتهيأ فيها الخلية للانقسام إلى خليتين جديدتين، تقوم بصنع نسخة عن حمضها النووي، و هذه العملية أحيانا لا تكون مُتقنة و تحدث أخطاء بالنسخ، و رغم وجود عدة إنزيمات بالخلايا تختص بالمراجعة و التدقيق و من ثم التصحيح، إلا أن بعض الأخطاء تمر أحيانا خصوصا عند النمو السريع للخلايا، حيث و قبل أن تتمكن الخلية من إصلاح اختلال الحمض، يمكن أن تتكوّن خلايا جديدة و تأخذ بالانقسام بدورها مع وجود الخلل و يكون أوان الإصلاح قد فات، و تكون التعليمات المتحكمة في النمو و الانقسام قد تغيرت بشكل نهائي، مما يؤدي إلى تطور نمو سرطاني آخر الأمر.

و كما سلفت الإشارة فالتغيرات الشاذة ببُنية الحمض النووي و المرتبطة بنشوء الأورام اللاهودجكن مكتسبة و عارضة عقب الولادة و خلال فترة الحياة و ليس قبلها بالوراثة، و على الرغم من عدم معرفة الأسباب الدقيقة لتسرطن الخلايا الليمفاوية و نشوء هذه الأورام عند معظم الحالات، غير أن الأبحاث الطبية تمكنت من إيجاد علاقة بينها و بين جملة من الظروف الصحية المصاحبة، مثل حالات العوز المناعي المذكورة آنفا، و التي من المعتقد أنها تخلق الظروف المناسبة لنشوء هذه الأورام، و تفيد الدراسات الطبية أن تزامن حالة العجز المناعي ( سواء بالوراثة أو بتأثير الأدوية المحبطة للجهاز المناعي أو بعدوى الإيدز ) مع الإصابة بعدوى فيروس ابشتين بار قد تؤدي إلى تسرطن الخلايا الليمفاوية و نشوء الأورام اللاهودجكن.

إذ أن فيروس ابشتين بار يصيب الخلايا الليمفاوية البائية بشكل مباشر، و يتسبب في إعطابها مما يجعلها تتكاثر و تنمو بشكل مفرط إضافة إلى إطالة فترة حياتها، و تؤدي العدوى بهذا الفيروس عند معظم الأشخاص العاديين إلى الإصابة بداء وحيدات النوى ( mononucleosis )، و الذي لا يُعد مرضا خطيرا حيث تتمكن الخلايا الليمفاوية التائية غالبا من تدمير الخلايا البائية المصابة بالعدوى، بينما عند وجود عجز بالخلايا الليمفاوية التائية، تنمو و تتكاثر الخلايا البائية المصابة بالعدوى و تحتشد بأعداد كبيرة، مما يجعلها عرضة بدرجة خطرة لأن يختل حمضها النووي سواء بحدوث التغيرات الشاذة ببنيته أو بنشوء تبادل بالصبغيات، و حين تصيب هذه الأعطاب طلائع مورثات ورمية معينة أو مورثات كابحة للتورم يحدث التسرطن و تنشأ الأورام الليمفاوية، و قد توصل الباحثون مؤخرا إلى تحديد المورثات المسؤولة و كيفية تكوينها لهذه الأورام، و بطبيعة الحال تتم الاستفادة من مثل هذه المعلومات في تحري وجود الخلايا الورمية، و تصنيف أنواع معينة من الأورام اللاهودجكن، على أمل أن يتم في وقت قريب استحداث علاجات أكثر فاعلية بناءا على هذه الأبحاث.

و على الرغم من تمكن العلماء من تحديد العديد من التغيرات الأساسية بالحمض النووي لخلايا الأورام الليمفاوية، مما شكل بداية لفهم كيفية تطورها عند وجود عوامل خطورة معينة عند بعض المرضى، غير انه لم يتمكن أحد بعد من معرفة أسباب نشوء معظم هذه الأورام عند أشخاص لا يعانون من أية عوامل خطورة واضحة، قد تهيئ الظروف المساعدة لنشوئها.

حـول الأعـراض

تسبب هذه الأورام أعراضا متعددة تبعا لمواضعها، قد تشمل ظهور تضخم ملحوظ و بدون ألم للغدد الليمفاوية القريبة من سطح الجسم، مثل الغدد على جانبي الرقبة و تحت الإبطين أو بالترقـوة، يستمر لفترات طويلة دون أن تعود الغـدّة للحجم الطبيعي، و حين يتموضع الورم بالأنسجة الليمفاوية بالتجويف البطني، قد تنتفخ البطن و تتضخم و أحيانا بشكل كبير يشبه تضخم الحمل، و في بعض الأحيان قد يسبب الورم تفتقا بنسيج الطبقة المبطنة للتجويف البطني، مما ينتج عنه احتباس كميات كبيرة من السوائل، و حين يتركز الورم بالأنسجة الليمفاوية قرب الكِلية أو الأمعاء قد يتضخم مسببا انسدادات تعيق التبول أو التبرز، و يشعر المريض بالآم حادة أو معتدلة بالبطن، و قد ينشأ فشل كلوي و من علاماته نقص كميات البول و الإعياء و فقدان الشهية و الغثيان و ظهور انتفاخ باليدين أو القدمين، كما قد يؤدي تضخم الورم إلى نشوء انسداد بالأمعاء وإعاقة مرور الغائط داخلها مما قد يؤدى إلى نشوء آلام حادة بالبطن و الغثيان و التقيؤ.

و عند إصابة الغدّة الصعترية أو الغدد الليمفاوية بالجزء العلوي من الصدر و تضخمها، تظهر أعراض مثل السعال و ضيق النفس، نتيجة ضغط الورم على القصبة الهوائية، و عند تفاقم الحال قد يؤدي ذلك إلى الاختناق، بينما عند ضغط كتلة الورم على الوريد الأجوف العـلوي، الذي يحمل الدم من الرأس و الذراعين إلى القلب، تنتج حالة تُعرف بمتلازمة الوريد الأجوف العـلوي ( superior vena cava syndrome )، و من علاماتها ظهور انتفاخ بالرأس و بأعلى الصدر و بالذراعين، مع تغير لون البشرة بهذه المواضع إلى اللون الأحمر المزرق، و قد يؤثر نشوء هذه العلة على الدماغ و يهدد حياة الطفل بشكل جدي.

و إضافة إلى الأعراض و العلامات الناتجة عن التأثيرات الموضعية للورم، قد تظهر أعراض عامة، مثل الحمّى المتواصلة و مختلفة الشدة و التي تستمر لأسابيع، و الارتجاف، و شدة التعرّق خصوصا بالليل، و فقدان الوزن، و الشعور المتواصل بالإعيـاء، و فقد الشهية.

تجدر الإشارة إلى انه قد يصعب أحيانا تشخيص مثل هذه الأورام في مراحلها المبكرة، إذ أن تضخم الغدد الليمفاوية ينشأ عادة عند وجود عدوى لدى الأطفال، و لا يثير الأمر القلق سوى عند تضخم الغدة بحجم يزيد عن 2.5 سنتمتر أو نحو ذلك، و حتى في هذه الحال يتم عادة تناول المضادات الحيوية لمدة أسبوعين لتقصي مدى الإستجابة و انكماش الغدة المتضخمة و لمعرفة إن كان تضخمها ناتج عن عدوى عادية، بينما عند عدم وجود استجابة أو تبدو الغدد المتضخمة سريعة في مدى تضخمها، أو تبدو صحة الطفل في تدهور مستمر، ينبغي التصرف السريع و إجراء مختلف الفحوصات.

حـول التشـخيص

عند ظهور الأعراض على الطفل و التي يمكن أن تُعزى إلى أي من الأورام الليمفاوية، و الارتياب بوجود مثل هذا الورم، يقوم الأطباء بإجراء عملية خزع جراحي ( biopsy ) بهدف استخلاص خزعة من الأنسجة أو الغدد المشتبهة، ليتم فحصها تحت المجهر، بُغية التأكد من وجود السرطان و تحديد نوع الورم و خواصه الحيوية، كما يتم إجراء سلسلة من الفحوصات و التحاليل المخبرية، و التقاط صور إشعاعية مختلفة من أشعات سينية، و التصوير الشعاعي المقطعي ( Computed tomography scan )، إضافة إلى التصوير بالرنين المغناطيسي ( Magnetic resonance imaging )، و التصوير بالموجات فوق الصوتية، لتحديد مختلف جوانب المرض بدقة.

و نظرا لتشابه الأعراض المبكرة لهذه الأورام مع أعراض العديد من الأمراض غير السرطانية، مثل مختلف أنواع العدوى، ينبغي لدقة التشخيص إجراء خزع جراحي لإستخلاص عينة من أنسجة الغدة المتضخمة لفحصها مجهريا، و يتم ذلك إما باستخدام الخزع الإبري، بسحب العينة بواسطة إبرة شعرية خصوصا إن كانت الغدة المشتبهة تقع قريبا من سطح الجسم ( و قد يتم استخدام التخطيط المقطعي أثناء السحب لضمان دقة توجيه الإبرة نحو الغدد بالداخل )، أو عبر إجراء جراحة مفتوحة، و تحت التخدير الكامل، للوصول إلى موضع الغدد المشتبهة داخل الجسم، و من ثم إجراء الفحوصات في الحال، وعند ثبوت تسرطن الغدة موضوع الجراحة، تعتمد الخطوة التالية على موضعها و حجم الورم، فإن كان صغير الحجم، و في موضع متاح للإستئصال، يتم إجراء خزع إستئصالي ( excisional biopsy ) بإزالة كامل الغدة، أما إن كان الورم كبير الحجم و تصعب إزالته، فقد يتم الإكتفاء باستخلاص عينة فحسب، فيما يُعرف بالخزع البضعي ( incisional biopsy ).

كما يتم تقليديا إجراء خزع للنخاع العظمي ( Bone marrow biopsy ) لتقصي مدى وجود الخلايا الورمية بالنخاع، و ذلك باستخلاص عينة منه باستخدام إبرة خاصة يتم إدخالها عبر الجلد إلى العظم، عادة بالورك الخلفي حيث العظم تحت الجلد مباشرة و يحتوى على كميات كبيرة من النخاع، و من ثم تفحص العينة تحت المجهر، و إضافة إلى ذلك يتم إجراء البزل القطني لإستخلاص عينة من السائل المُخّي الشوكي (cerebrospinal fluid CSF )، للتحري عن مدى إنتقال الخلايا الورمية إلى الدماغ أو الحبل الشوكي.

و بُغية التحري عن انتقال الخلايا الورمية إلى أغشية الصفاق بالتجويف البطني أو غشاء جنبة الرئة ( مما قد يؤدي إلى نشوء تراكم بالسوائل بهذين الموضعين )، يتم سحب عينات من السوائل بأغشية الصفاق ( peritoneal fluid ) و بأغشية جنبة الرئة ( Pleural fluid ) بواسطة إبرة شعرية عقب التخدير الموضعي، و من ثم تفحص مجهريا.

و من ناحية أخرى، يتم إجراء أشعات سينية بالصدر لتفحص الغدد الليمفاوية المتضخمة بمنطقة الصدر، و إجراء التخطيط المقطعي العادي لفحص الأورام بمنطقة البطن و الحوض و الصدر، و قد يتم استخدام التخطيط الشعاعي المقطعي بدفق الكهيربات الموجبة ( Positron emission tomography scan PET ) و هنا يتم إجراء التخطيط المقطعي الشعاعي عقب الحقن الوريدي لمحلول نوع خاص من سكر الجلوكوز يحتوي على جزيء منخفض الإشعاع، و من ثم تقوم كاميرات خاصة بتوضيح حجم النشاط الإشعاعي و مواضعه عبر أجزاء الجسم، و تحدد بالتالي مواضع وجود الأورام، حيث تمتص الخلايا الورمية كميات عالية من السكر المشع نظرا لإرتفاع معدلات الأيض داخلها، و يفيد هذا التخطيط في الكشف عن وجود الأورام الليمفاوية بجميع أجزاء الجسم، و في تحديد ما إن كانت الغدد متضخمة نتيجة وجود ورم أم لأسباب أخرى، كما يفيد في تقييم مدى استجابة الأورام للمعالجات المختلفة و مدى وجود خلايا ورمية بالغدد المتضخمة عقب تلقي المعالجات.

و من المعتاد أيضا إجراء تخطيط للعظام ( bone scan ) للتحري عن وجود مشاكل بالعظام، غير أن هذا التخطيط يظهر المواضع المتضررة بالعظام نتيجة وجود الأورام أو نتيجة أية مشاكل غير سرطانية مثل الكسور أو الإلتهابات، كما يتم استخدام أجهزة الموجات فوق الصوتية للتحقق من الكتل الورمية بمنطقة البطن، و هي مفيدة خصوصا للتحري عن مدى تضخم الكليتين نتيجة احتباس البول و الذي قد ينشأ عن تضخم الغدد الليمفاوية، بينما يستفاد من التخطيط بالمرنان المغناطيسي بشكل خاص في فحص الدماغ و الحبل الشوكي و في تقييم مدى امتداد النمو الورمي.

( و يُرجى الانتقال لصفحة الفحوصات و التحاليل المخبرية للإطلاع على المزيد من التفاصيل حول هذه الفحوصات و طرق الخزع الجراحي ).

حول التصنيف المرحلي للأورام اللاهودجـكن

حال تشخيص الورم على أنه ضمن الأورام الليمفاوية اللاهودجكن، يتم إجراء العديد من التحاليل و الفحوصات المخبرية لتحديد حجم الورم و خواصه الحيوية، و التحقق من مدى انتقاله من موضع نشوئه إلى الأنسجة المحيطة أو إلى أية مواضع أخرى، و من خلال جميع المعطيات يتم تحديد نوع الخلايا المتسرطنة و نوع الورم ضمن الأورام اللاهودجكن و التصنيف المرحلي ( Staging ) للورم، و من الضروري بطبيعة الحال تصنيف الأورام ليتسنى ترتيب الخطط العلاجية الملائمة، و للتكهن بالمردود العلاجي المتوقع و مدى التجاوب الممكن للمرض تجاه المعالجات.

ورم ليمفاوي لاهودجكن بالغدد الليمفاوية بالرقبة، عند التشخيص

و المتداول تصنيف هذه الأورام حسب نظام سانت جوود ( St. Jude staging system ) لتصنيف الأورام اللاهودجكن، و يسمى أيضا بنظام ميرفي ( Murphy staging system )، حيث تصنف إلى أربع درجات مرحلية، و ذلك تبعا لمواضع نشوء الأورام، سواء داخل محيط الغدد الليمفاوية ( أي أورام غدية nodal ) أو خارجها ( أي أورام خارج الغدد extranodal )، و مدى تواجدها خارج الجهاز الليمفاوي، إضافة إلى مرحلة الأورام الراجعة.

درجة 1

تُدرج بهذا التصنيف الحالات حيث نشأ الورم و يتركز في موضع واحد، سواء كورم منفرد خارج الغدد الليمفاوية، أو في الغدد بموضع واحد من الجسم خارج التجويف البطني و الصدر ( مثل الرقبة أو بالإبط ).

عقب الدورة الأولى للعلاج الكيماوي

درجة 2

و تُدرج بهذا التصنيف أي من الحالات التالية حيث :

يتواجد الورم خارج منطقة الصدر، و يتركز في موضع واحد خارج الغدد و قد انتقل إلى مجموعة واحدة من الغدد الليمفاوية المجاورة.

يتركز الورم في أكثر من موضع بالغدد الليمفاوية بنفس الجانب من الحجاب الحاجز.

يتواجد الورم في موضعين خارج الغدد الليمفاوية بنفس الجانب من الحجاب الحاجز، دون انتقال إلى الغدد الليمفاوية.

نشأ الورم و يتموضع بالتجويف البطني، و قد تكون الغدد الليمفاوية مصابة أو غير مصابة، و تمت إزالة كل الكتل الورمية الظاهرة أثناء جراحة التشخيص.

درجة 3

تُدرج بهذا التصنيف أي من الحالات التالية حيث:

يتبين أن الورم قد نشأ مبدئياً في أي موضع بالصدر.

نشأ الورم بالتجويف البطني بداية و انتقل إلى عدة مواضع بداخله، و من المتعذر استئصاله جراحيا بشكل تام.

يتواجد الورم في مجموعتين من الغدد الليمفاوية، بكل من جانبي من الحجاب الحاجز.

يتواجد الورم في موضعين خارج الغدد الليمفاوية، بكل من جانبي الحجاب الحاجز.

يتواجد الورم حول الحبل الشوكي، أو في موضع على الغلاف الخارجي للدماغ أو حوله.

درجة 4

و تُدرج بهذا التصنيف الحالات حيث يتبين عند التشخيص أن الأورام قد انتقلت إلى النخاع العظمي ( دون أن تزيد نسبة الخلايا المتسرطنة عن 25 % )، أو الجهاز العصبي المركزي ( الدماغ و الحبل الشوكي )، أو إلى الرئة أو أعضاء حيوية أخرى.

الورم الراجع ( Recurrent )

و يُشير هذا التصنيف إلى الأورام التي تعود و تظهر عقب انتهاء المعالجات الأولية بنجاح، و قد تعود بنفس موضع المنشأ الأصلي حيث بدأت، أو تظهر بالأنسجة المحيطة، أو تعود بأي موضع آخر، و قد تظهر في فترات قريبة عقب وقف المعالجات أو في فترات بعيدة قد تصل إلى السنوات.

حول معالجة الأورام اللاهودجـكن

تعتمد فرص الطفل في الشفاء و خيارات المعالجة على عدة عوامل مجتمعة، أهمها تصنيف الورم و موضعه و مدى تركزه و درجته و مدى انتقاله، و نوع الأعراض الظاهرة عند التشخيص، إضافة إلى عمر الطفل و حالته الصحية العامة، و ثمة معالجات لكل أنواع هذه الأورام، و يُعد العلاج الكيماوي خط العلاج الأوليّ، و قد يتم استخدام العلاج الإشعاعي عند بعض الحالات الخاصة، و بطبيعة الحال تختلف الخطط العلاجية تبعا لتصنيف الورم و مدى نمو الطفل، و لا تزال الأبحاث جارية حول مدى الاستفادة من عمليات زرع نقى النخاع العظمي لدى بعض الحالات.

و تجدر الإشارة إلى انه و فيما يتعلق بالعمل الجراحي، من غير المعتاد إجراء الجراحات لإزالة الأورام اللاهودجكن، مخافة تضرر الأعضاء الحيوية السليمة أثناء الجراحة، غير انه قد يتم استئصال كامل كتلة الورم أثناء إجراء الخزع الجراحي إن كان ذلك متاحا، ( و كما سلفت الإشارة، يتم إجراء الخزع الجراحي المفتوح لتحديد نوع الورم بدقة، عند تعذر الحصول على كمّ كاف من أنسجة الورم عبر استخدام الخزع الإبري )، و بالمقابل قد يتم إجراء الجراحات عند نشوء طارئ ( مثل معالجة انسداد ما بأمعاء الطفل نتيجة تضخم كتلة الورم )، أو يتم إجراؤها لاحقا لتقصي مدى إستجابة الأورام للمعالجات المتلقاة.

العـلاج الكيمـاوي

العلاج الكيماوي هو علاج باستخدام أدوية خاصة تُعرف بالعقاقير الكيماوية المضادة للسرطان، تقوم بالقضاء على الخلايا السرطانية و تدميرها، و ذلك بعرقلة و تقويض نسق العمليات الحيوية داخلها، و تأتي الميزة الرئيسية لهذا العلاج من مقدرته على معالجة الأورام المتنقلة و المنتشرة، بينما يقتصر العلاج الإشعاعي أو العمل الجراحي على معالجة الأورام المنحصرة بمواضع محدّدة، و فعّاليته المتميّزة تعود إلى حقيقة أن الخلايا السرطانية، بطريقة ما، هي أكثر حساسية و أشد تأثراً بالكيماويات من الخلايا الطبيعية، و قد يتم استخدامه كعلاج منفرد لدى بعض الحالات، أو كجزء من برنامج علاجي متكامل يتضمن استخدام عدة علاجات مشتركة، و يتم اتخاذ القرار باستخدام هذا العلاج، بالموازنة ما بين فعّاليته و تأثيراته الجانبية و مضاعفاته المستقبلية، و بين خطورة السرطان، و بطبيعة الحال فمضاعفاته و آثاره مقبولة مقارنة بالمرض نفسه، إضافة إلى المردود العلاجي الإيجابي بدرجة كبيرة.

و قد يُسمى العلاج الكيماوي علاجا جهازياً ( systemic )؛ نظراً لانتقال العقاقير الكيماوية عبر الدورة الدموية إلى كل أجزاء الجسم، و مقدرتها على تدمير الخلايا السرطانية حيثما تبلُغ، و قد يتم استخدامه قبل المباشرة بالعمل الجراحي عند الأورام الصلبة تحضيراً لها، و بُغية تسهيلها؛ بحصره و تقليصه للورم، بما يُعرف بالعلاج الكيماوي المبدئي المساعد ( Neoadjuvant )، كما قد يُستخدم عقب الجراحة و استئصال الورم؛ بهدف القضاء على أية خلايا ورمية غير ممّيزة قد تكون متبقية، و المساعدة في تجنّب عودة السرطان، بما يُعرف بالعلاج الكيماوي المُضاف ( adjuvant ).

و يتم تناول أدوية العلاج الكيماوي بطرق و قنوات مختلفة، فمنها ما يؤخذ عن ‏طريق الفم على هيئة أقراص أو كبسولات أو سوائل، و أغلبها تُحقن بالجسم، بطرق الحقن المختلفة: الحقن في الوريد، الحقن في العضل، ‏الحقن في شريان رئيسي أو الحقن موضعيا مباشرة تحت الجلد، و إن كان الحقن الوريدي هو أكثر الطرق استخداماً، و قد تُستخدم وسائل أخرى للمساعدة على الحقن مثل ‏ القسطرات ( catheters )، التي يتم زرعها عادة بالصدر و يمكن استخدامها لفترات طويلة، كما يتم حقن الأدوية مباشرة إلى السائل الشوكي المُخي المُحيط بالحبل الشوكي و الدماغ، فيما يُعرف بالحقن الغِمدي، سواء للقضاء على الخلايا الورمية، أو لحماية الجهاز العصبي المركزي و الدماغ، و يتم ذلك عادة بالحقن عبر الفقرات القَطَنية أسفل العمود الفقري، أو عبر أداة قسطرة خاصة تُزرع تحت فروة الرأس تُعرف بمحفظة أومايا ( Ommaya reservoir ).

و من المعتاد أن تتكون البرامج العلاجية من عدة دورات متكررة تفصل بينها فترات نقاهة، و قد يتلقى المريض خلال كل دورة توليفة مشتركة من عدة أدوية كيماوية، أو يتم الاقتصار على عقار واحد، حسب نوع الورم و المخطط العلاجي المتبع عند كل حالة، و بصفة عامة يتم استخدام العلاج الكيماوي خلال فترات زمنية متطاولة لتخفيض كمّ الخلايا السرطانية بالتدريج، إلى الحدّ الذي يتمكن فيه نظام المناعة بالجسم من السيطرة على أي نمو ورمي، إضافة إلى أن الفسحة الزمنية ما بين الجرعات توضع بُغية تحقيق أكبر تأثير على الخلايا السرطانية، و بنفس الوقت إعطاء فترة كافية للسماح للخـلايا و الأنسجة العادية كي تتعافى من مفعول العقاقير الكيماوية، إذ أن لأنواع العقاقير المختلفة تأثيرات بدرجات متفاوتة على الخـلايا و الأعضاء الطبيعية السليمة، خصوصا الخـلايا و الأنسجة سريعة النمو و غزيرة التكاثر و دائمة الاستبدال، مثل خلايا النخاع العظمي، و خلايا و أنسجة الجهاز الهضمي، إضافة إلى بعض الأعضاء الحيوية مثل الكبد و الكليتين، مما يؤدي بدوره إلى حدوث المضاعفات الجانبية المُصاحبة، و التي تتفاوت في الشدّة و النوعية من عقار لآخر، و من شخص لآخر، و من دورة علاجية لأخرى حتى بالنسبة لنفس الشخص، و تعتمد أساساً على نوع و جرعة العقار المُستخدم و تفاعل الجسم حياله.

و هذه التأثيرات متعددة؛ و تشمل إحباط النخاع العظمي ( و بالتالي إنخفاض تعداد خلايا الدم )‏، و مضاعفات الفـم و اللثة ( مثل الالتهابات و التقرح و الجفاف )، و تساقط الشعر المؤقت، و الإمساك و الإسهال، و الإعياء و الغثيان و التقيـؤ و فـقدان الشهـية، و تحسس الجلد و البشرة، و من المعتاد تناول أدوية مُساعدة، و اتخاذ بعض التدابير الوقائية و المسـاندة؛ لتجنب مثل هذه التأثيرات و للوقاية منها و للتخفيف من حدّتها، قبل الدورات العلاجية و أثناءها و عقب انتهائها.

و بهذا الصدد من المفيد الإشارة إلى العارض المعروف بمتلازمة الإنحلال الورمي ( Tumor lysis syndrome ) عند الأورام الليمفاوية، و يُعتبر كأحد التأثيرات الجانبية للعلاج الكيمـاوي، و ينتج عن الإنحلال السريع للخلايا الورمية، التي عند موتها تطلق مخلفات انحـلالها، و تزيد من نسبة بعض المركبات و المعادن بالـدم مثل حمض البوليك ( Uric acid ) و البوتاسـيوم و الفوسفات، و تُخفض من نسبة الكالسيوم، و إن لم تتخذ التدابير الوقائية فقد تنشأ مضاعفات بالكليتين و القلب و الجهاز العصبي، و تبدأ هذه التدابير عادة قبيل تلقي العلاجات، و تتضمن زيادة معدلات التروية عند الطفل و التأكد من تناول الكثير من السوائل، و إعطاء المحاليل الوريدية بكميات كبيرة و بإضافة محاليل البيكربونات ، و استخدام أدوية معينة مثل عقار اللوبرينول ( Allopurinol ) و عقار يوريكوزيم ( Uricozyme ) بُغية مساعدة الجسم على التخلص من مخلفات الإنحلال، و تخفيض معدلات حمض البوليك و لحماية الكليتين على وجه الخصوص.

( يُرجى الانتقال إلى صفحة العلاج الكيماوي، للإطلاع على المزيد من التفاصيل حول هذا العلاج و أساليب إدارته و مضاعفاته ).

العـلاج الإشعـاعي

رغم أن العلاج الإشعاعي كان معتمدا كعلاج مبدئي للأورام اللاهودجكن، إلا انه لم يُعد مستخدما سوى للحالات الطارئة و عند الضرورة، كعلاج لتخفيف الأعراض، مثل معالجة الضغط الواقع على القصبة الهوائية أو الحبل الشوكي عند بعض الحالات، و تم استبداله بالعلاج الكيماوي بشكل واسع، و في الفقرات التالية لمحة عن هذا العلاج :

يتم استخدام التطبيقات المختلفة للإشعاع المؤين ( ionizing radiation ) في المعالجات الإشعاعية، لتدمير الخلايا السرطانية و تقليص الأورام، سواء باستخدام العناصر و النظائر المُشعّة، أو باستخدام دفق إشعاعي مُؤجّج و عالي الطاقة، من الأشعة السينية، أو أشعّة أخرى مثل أشعة جاما، أو دفق النيوترونات أو البروتونات. و تتركز فاعلية الإشعاع في مقدرته على تقويض و تفتيت الحمض النووي للخلايا الورمية، و هو المادة الحيوية و الأساسية لمختلف الوظائف الخلوية، مما يؤدي إلى القضاء عليها.

و يُعد العلاج الإشعاعي علاجا موضعياً، و هو ينقسم إلى نوعين؛ داخلي ( Internal )، حيث تُزرع العناصر المشعّة مباشرة داخل أنسجة الورم، أو قريبا منها، سواء بشكل مؤقت أو بصفة دائمة، و خارجي ( external )، حيث يُبث الإشعاع من آلة تُسلط الأشعّة على مواضع الأورام، و قد يتم استخدام كلا النوعين لدى بعض الحالات، و للأورام اللاهودجكن يستخدم الإشعاع الخارجي، و بطبيعة الحال و تلافيا لآثار الإشعاع، يتم اتخاذ تدابير وقائية أثناء المعالجة الإشعاعية، لحماية الأنسجة و الأعضاء الطبيعية السليمة بحقل المعالجة.

و قد يتم استخدام العلاج الإشعاعي منفرداً، كعلاج وحيد، أو بصفة مشتركة مع علاجات الأورام الأخرى، و قد يُستخدم بديلاً عن الجراحة كعلاج أوليّ عند بعض الأورام الصلبة، كما قد يُستخدم قبل المباشرة بالعمل الجراحي فيما يُعرف بالعلاج المبدئي المساعِد ( neoadjuvant therapy )، بُغية تقليص حجم الورم؛ لتسهيل استئصاله، أو يتم استخدامه عقب جراحات الاستئصال كعلاج مُضاف ( adjuvant therapy )؛ بُغية القضاء على أية خلايا ورمية غير مميّزة قد تكون متبقية.

و للعلاج الإشعاعي مضاعفات و آثار جانبية مُصاحِبة، ترتبط إجمالا بموضع المعالجة، و تنجم بشكل عام عن تأثر الخـلايا و الأنسجة سريعة النمو و الاستبدال، و من هذه التأثيرات : مضاعفات الجلد و البشرة، و الإعياء، و التهابات و جفاف الفم، و تساقط الشعر، و الغثيان، و المشاكل المعوية، و إحباط النخاع العظمي، و يتم اتخاذ بعض التدابير الوقائية و المُسانِدة، و تناول أدوية مُساعدة؛ لتجنب مثل هذه الآثار و للتخفيف من حدّتها.

( يُرجى الانتقال إلى صفحة العلاج الإشعاعي، للإطلاع على المزيد من التفاصيل حول هذا العلاج و طرق إدارته ).

عمليات زرع نُقى النخاع العـظمي ( Bone marrow transplant )

النخاع العظمي هو النسيج الإسفنجي اللين المعروف بالنخاع الأحمر، و المتواجد داخل جزء العظام المسمى بالعظم الإسفنجي، و تتمثل وظيفته الأساسية في إنتاج خلايا ادم، و هو يتكون من خلايا متحولة ( تتحول إلى خلايا دموية )، و خـلايا دهنية، و أنسجة تساعد على نمو خلايا الدم، و تسمى الخلايا في بداية التكوين ( الأولية ) بالخلايا الأرومية أو خلايا المنشأ ( Stem cells) و هي تقوم بالانقسام الذاتي لتتكاثر، منتجة لخلايا منشأ جديدة، أو تقوم عبر سلسلة من الانقسامات التراكمية، و التحولات المتعاقبة بإنتاج خلايا الدم المختلفة ( كريات الدم البيضاء و الحمراء و الصفيحات الدموية ) التي تواصل مراحل النمو و النضج داخل النخاع، و يوجد النخاع العظمي في كل العظام تقريبا عند الأطفال الرُضّع، بينما و قبيل سن البلوغ، يتركز غالبا في العظام المسطحة، مثل عظم الجمجمة، و الأكتاف، و الضلوع، و عظام الحوض، و مفاصل الذراعين و الرجلين.

و تأتي الحاجة إلى إجراء عمليات زرع نُـقى النخـاع العـظمي ( Bone marrow transplant )، أو زرع خلايا المنشأ ( Stem cells transplant ) حين يعجز النخاع عن أداء وظائفه، و ينجم هذا العجز إما عن تأثيرات السرطان نفسه، الذي يجعله إما منتجا لخلايا ورمية شاذة، أو منتجا لأعداد ضئيلة من خلايا الدم، أو ينجم عن تأثيرات العقاقير الكيماوية و العلاج الإشعاعي الشديدة، فقد يستلزم الأمر للقضاء على الخلايا السرطانية، ( خصوصا عند أورام الدم و الأورام الليمفاوية، و بعض أنواع الأورام الصلبة )، إتباع برامج علاجية قوية، بجرعات مكثفة تؤدي إلى إحباط و تدمير أنسجة النخاع نفسه. و من هنا تستهدف عمليات الزرع، استبدال خلايا المنشأ بالنخاع المُصاب بالسرطان، أو المٌحبط بالعلاجات، بخلايا سليمة و معافاة، قادرة على النمو و التكاثر و إنتاج خلايا الدم، و المصادر الممكنة، لاستخلاص خلايا المنشأ و استخدامها للزرع، تشمل النخاع العظمي و الدورة الدموية، سواء من المريض نفسه أو من متبرع، و تجرى الدراسات حديثاً لاستخلاصها من الحبل السُري للمواليد الجدد.

و لدى بعض حالات أورام اللاهودجكن، يتم اللجوء إلى عمليات الزرع، بالتوازي مع العلاجات المتلقاة، حين يصبح الورم مقاوما للعلاج، أو عند حدوث الانتكاس و عودة الورم خلال تلقي المعالجات، أو عقب انتهائها بفترة قصيرة، مما يستدعي ضرورة استخدام جرعات علاجية مكثفة من العقاقير الكيماوية، للقضاء على الخلايا السرطانية، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تدمير النخاع العظمي بدرجة حرجة.

و تنقسم عمليات الزرع إلى نوعين حسب مصدر خلايا المنشأ، الزرع الذاتي ( Autologous ) حيث تُستخلص هذه الخلايا من دم أو نخاع المريض نفسه، و الزرع المُثلي أو السُلالي ( Allogeneic )، أي الزرع من الغير، حيث تُجمع من دم أو نخاع متبرع، و يتم اختيار المتبرع المناسب عقب إجراء تحليل نسيجي خاص للدم، يُعرف بتحليل مستضدات الكريات البيضاء ( human leukocyte antigens HLA )، و يستهدف هذا التحليل مطابقة الشفرات الوراثية لبروتينات المولدات المضادة التي تنتجها كريات الدم البيضاء، و هي بروتينات خاصة بتمييز الخلايا الذاتية عن الغريبة، مثل البكتيريا أو الفيروسات، و يعتمد نجاح الزراعة على مدى تطابق الأنسجة بين المتبرع و المتلقي، و التطابق المثالي هو الذي يجمع ستة فئات من هذه البروتينات، و المتبرع المثالي هو الشقيق التوأم المتماثل، يليه الأخوة الأشقاء، ثم أحد الوالدين، أو متبرع غير ذي قربى للمريض.

يعتبر النخاع المصدر الرئيسي لخلايا المنشأ، و عند استخدام الزرع الذاتي، يتم استخلاص كمية من نخاع الطفل، و تتم معالجتها للقضاء على أية خلايا سرطانية، ثم تحفظ تحت التجميد، و عقب الانتهاء من تلقي العلاجات المكثفة، و التي من شأنها تدمير النخاع، يتم زرع النخاع المُعالج.

بينما عند استخدام الزرع المُثلي، يتم استخلاص كمية من نخاع المتبرع، بعد إجراء الفحوصات و التحاليل المختلفة؛ للتأكد من صحته العامة و خلوّه من الأمراض المُعدية، و يتم انتقاء و جمع خلايا المنشأ على حدة، و عقب انتهاء مراحل تهيئة المريض للزرع، بإعطائه جرعات عالية من العقاقير الكيماوية مع العلاج الإشعاعي أو بدونه، بُغية القضاء على الخلايا السرطانية، و إحباط الجهاز المناعي إلى أدنى درجة، يتم زرع خلايا المنشأ المنتقاة.

كما يتم استخلاص خلايا المنشأ من الدورة الدموية، و تُعرف في هذه الحـال بخلايا المنشأ المُحيطية أو الدوريـة

( peripheral stem cells )، و كمياتها عادة غير كافية للجمع، و يصبح استخدامها للزرع الذاتي عملياً عند توفر إمكانية حث النخاع العظمي لدى المريض على إفرازها داخل الدورة الدموية بكميات كافية للزرع، أما عند الزرع المُثلي، فيتم جمعها من الدورة الدموية للمتبرع؛ بتمرير الدم عبر آلة للتصفية، تقوم بفصل هذه الخلايا على حدة.

و تنطوي عمليات الزرع على تعقيدات و مضاعفات مختلفة بطبيعة الحال، مثل صعوبة إيجاد المتبرع المطابق، و المضاعفات المصاحبة للعملية، و تأثيرات العلاجين الكيمـاوي و الإشعـاعي، و مخاطر رفض الزرع، و فشل الخلايا المستزرعة في الاستقرار و التكاثر.

( يُرجى الانتقال لصفحة زرع نقى النخاع العظمي للإطلاع على المزيد من التفاصيل حول عمليات الزرع ).

حول خطط المعالجة حسب التصنيف

درجة 1 و 2 من الورم الليمفـاوي

تبدأ معالجة هذا التصنيف غالبا بالعلاج الكيماوي الجهازي، و الحقن الغِمدي بالسائل الشوكي المُخّي.

درجة 3 و 4 من الورم الليمفـاوي

تبدأ معالجة هذا التصنيف غالبا بالعلاج الكيماوي الجهازي، و الحقن الغِمدي بالسائل الشوكي المُخّي، بينما يستخدم العلاج الإشعاعي أحيانا عند وجود ورم متوسع بالصدر.

درجة 1 و 2 من الورم ضئيل الخلايا المستوية

تبدأ معالجة هذا التصنيف غالبا بالعلاج الكيماوي الجهازي مع الحقن الغِمدي أو بدونه.

درجة 3 و 4 من الورم ضئيل الخلايا المستوية

تبدأ المعالجة غالبا بالعلاج الكيماوي الجهازي مع الحقن الغِمدي.

درجة 1 و 2 من الورم متسع الخـلايا

تبدأ معالجة هذا التصنيف غالبا بالعلاج الكيماوي الجهازي، مع الحقن الغِمدي أو بدونه.

درجة 3 و 4 من الورم متسع الخـلايا

تبدأ المعالجة غالبا بالعلاج الكيماوي الجهازي مع الحقن الغِمدي أو بدونه.

مرحلة الرجوع ( Recurrent )

يعتمد العلاج عند عودة الورم على نوعه و موضع ظهوره ثانية، و نوع المعالجات السابقة، إضافة إلى حالة الطفل الصحية العامة، و تتم المعالجات عادة بعملية زرع مُثلي لنقى النخاع العظمي من متبرع، أو علاج كيماوي جهازي باستخدام أدوية غير مستخدمة في المعالجات الأوليّة، مع الحقن الغِمدي أو بدونه، و ذلك تبعا للإعتبارات الخاصة بكل حالة على حدة.

و تجدر الإشارة إلى أنه من المعتاد أن تظهر دلائل عودة الأورام اللاهودجكن و الانتكاس عند الأطفال خلال فترة تلقي المعالجات أو عقب انتهائها مباشرة، بينما من غير المعتاد حدوث الانتكاس إن لم تظهر دلائل و علامات المرض عقب مرور سنة من إنتهاء المعالجات.

حول برامج العـلاج الكيمـاوي عند الأورام اللاهودجـكن

معالجة التصنيف 1 و 2

تتم معالجة الأطفال بالتصنيف 1 و 2 باستخدام العلاج الكيماوي الجهازي، بتوليفات مختلفة من العقاقير الكيماوية، اشهرها بروتوكـول ( CHOP )، و يتكون من العقاقير سايكلوفوسفامايد ( cyclophosphamide ) و دوكسوروبايسين ( Doxorubicin ) و فينكريستين ( vincristine ) و بريدنيزون ( prednisone ) ، و بروتوكول

( COMP ) و فيه يستبدل عقار دوكسوروبيسين بعقار ميتوتريكسات ( methotrexate ) ، و فترة العلاج قصيرة نسبيا و تستمر لتسعة أسابيع عند الأورام ضئيلة الخلايا غير المتفـلجة و الأورام متسعة الخلايا، بينما تستمر لفترة تصل إلى 24 أسبوعا عند الورم الليمفـاوي، و تبلغ معـدلات الشفاء القياسية و طويلة الأمد حوالي 90 %.

و يتم استخدام الحقن الغِمدي للعقاقير الكيماوية عند حالات الورم الليمفاوي، بينما لدى حالات الأورام الأخرى يتم استخدامه عند وجود الأورام بمنطقتي الرأس و الرقبة أو قربهما فحسب، بغية القضاء على الخلايا الورمية التي قد تنتقل إلى الجهاز العصبي المركزي.

معالجة التصنيف 3 و 4

الورم الليمفـاوي

تتراوح نسب الشفاء القياسية للورم الليمفاوي بين 75 % و 80 %، و يتم تلقي العلاج الكيماوي على ثلاثة مراحل، تستغرق فترة ما بين 18 إلى 24 شهرا، ( بنفس مراحل معـالجة اللوكيميا الليمفاوية الحادة )، تبدأ بمرحـلة تحقيق الاستقرار أو الخـلو من الخلايا الورمية ( remission induction )، و التي تستمر لفترة ما بين أربع إلى خمسة أسابيع، تليها مرحـلة التثبيت و ترسيخ الاستقرار ( consolidation )، و التي تستمر لفترة تتراوح ما بين عشرة إلى إثني عشر أسبوعـا، يلي ذلك مرحـلة الوقاية أو المحـافظة ( maintenance ) التي تستمر ما بين 12 إلى 16 شهرا، و من انجح توليفات العلاج الكيماوي المستخدمة عند هذا النوع بروتوكول ( LSA2L2 )، و بروتوكول ( BFM )، و يتكون كليهما من توليفة تشمل عدة عقاقير تستخدم بكل مرحلة، إضافة إلى الحقن الغِمدي.

الورم ضئيل الخلايا المستوية

تتراوح نسب الشفاء القياسية عند هذا النوع ما بين 70 % و 80 %، و نظرا لمعدل النمو السريع للخلايا الورمية بهذا التصنيف، يتم إعطاء علاجات مكثفة بفترات توقف قصيرة ما بين الدورات العلاجية، و من انجح توليفات العلاج الكيماوي المستخدمة بروتوكول يسمى الكلّي باء (Total B )، و الذي يتركب من توليفة تشمل العقاقير : سايكلوفسفامايد و دوكسوروبيسين و فينكريستين، و توليفة تتضمن عقاري سايتارابين ( Cytarabine )، و ميتوتريكسات، يتم إعطائهما بالتناوب كل 3 إلى 4 أسابيع، و لفترة 6 إلى 8 اشهر، إضافة إلى الحقن الغِمدي.

الورم متسع الخـلايا

تتراوح نسب الشفاء القياسية عند ورم الخلايا المتوسعة بالمراحل المتقدمة، ما بين 70 % و 80 %، و تتم عادة معالجته مثل ورم الخلايا الصغيرة المستوية إن نشأ عن الخلايا البائية، و مثل معالجة الورم الليمفاوي إن نشأ عن الخلايا التائية، إضافة إلى استخدام الحقن الغِمدي بطبيعة الحال، و من المعتاد استخدام توليفات من العقاقير دوكسوروبايسـين و بريدنيزون و فينكريسـتين و ميتوتريكسات، و أحيانا عقار ميركابتوبيورين أو سايكلوفوسفامايد، و لفترات تتراوح بين 9 إلى 12 شهرا، و تركز الدراسات السريرية حاليا على تقصي فوائد فترات المعالجة، و أي العقاقير الأكثر أهمية، و إمكانية معالجة الأورام الناشئة بالخلايا البائية و التائية بنفس الخطط العلاجية.

و بشكل عام تفيد الإحصاءات الطبية أن معدلات الشفاء للخمس سنوات القياسية لدى الأطفال تزيد عن 90 % لدى المراحل المبكرة من الأورام اللاهودجكن، بينما تتراوح بين 70 إلى 85 % لدى الحالات المتقدمة أكثر، ( يُشير معدل الخـمس سنوات شفاء القياسية إلى نسبة المرضى ممن يعيشون خمس سنـوات على الأقل منذ تشخيصهم بسرطان معين، و بالطبع يشـفى الكثيرون تماما و يعيشون أكثر من ذلك بكثير، و يستخدم هذا المعدل عادة كدلالة إحصائية عند حالات السرطان ).

عقـب انتهاء المعـالجات

من الضروري إجراء فحوصات دورية شاملة تستمر لعدة سنوات عقب انتهاء المعالجات، بُغية تقصي أية علامات على عودة أورام اللاهودجكن، إضافة إلى مراقبة المضاعفات و التأثيرات الجانبية المختلفة للعلاجات المتلقاة، سواء الآنية أو المتأخرة و التي قد تظهر بعد سنوات ( يُرجى الانتقال لصفحة المضاعفات المتأخرة لعلاجات الأورام للإطلاع على المزيد من التفاصيل )، و تشمل هذه الفحوصات إضافة إلى الفحص السريري الدقيق، التحاليل المخبرية و الفحوصات التصويرية المختلفة، و يتم إجراؤها بجدولة زمنية معينة، و من المهم جدا بطبيعة الحال إخطار الفريق الطبي المعالج في الحال عن أية أعراض أو مضاعفات قد تظهر، ليتم اتخاذ الإجراءات الطبية اللازمة و تحقيق المعالجة الفعالة دون تأخير، سواء للمضاعفات العلاجية أو الانتكاس.

المراجع :

PDQ database. Bethesda, Md. National Cancer Institute; childhood Non-Hodgkin lymphoma. 2005. http://www.cancer.gov/cancertopics/treatment/childhoodcancers

Lorraine Johnston, Non-Hodgkin's Lymphomas: Making Sense of Diagnosis, Treatment, and Options , O'Reilly & Associates, Inc. 1999 , excerpts available at : http://www.patientcenters.com/lymphoma/

The Leukemia & Lymphoma Society, The Lymphomas: Hodgkin Lymphoma & Non-Hodgkin Lymphoma,

http://www.leukemia-lymphoma.org/all_page?item_id=7087

Cairo MS, Raetz E, Perkins S. Non-Hodgkin lymphoma in children. In: Kufe DW, Pollock RE, Weischselbaum RR, Bast RC, Gansler TS, Holland JF, Frei E, eds. Cancer Medicine. 6th ed. Hamilton, Ontario: BC Decker Inc.; 2003.

Weinstein HJ, Tarbell NJ. Leukemias and lymphomas of childhood. Non-Hodgkin’s lymphoma. In: DeVita VT, Hellman S, Rosenberg SA, eds. Cancer: Principles and Practice of Oncology. 6th ed. Philadelphia, Pa: Lippincott Williams & Wilkins; 2001

( اللهم ربّ الناس، أذهب البأس، أشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءاً لا يغادر سقماً )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

سرطان الشرج والزائدة الدودية وأورام الدماغ

  سرطان الشرج  من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة سرطان الشرج       رسم بياني يوضح سرطان الشرج في مراحله الأولى الاختصاص علم الأورام ...